الاقتراب من اليمين
مراد كايا
قد يخدع الإنسان نفسه أو قد يخدعه الآخرون، وأكثر الطرق المطروقة للخديعة هي "الاقتراب من اليمين". فالنفس أو الشيطان يقتربان من اليمين لجعل الإنسان يرى عمله مشروعاً. والأشخاص سيئو النية يقتربون من ضحاياهم في الغالب من اليمين لخداعهم. يقدم المخادعون أدلة مزيفة لإلباس العمل لباس الحق، أو قد يحرفون الدلائل المثبتة الصحيحة ويشوهونها لنفس الغرض. وبهذا يجعلون ضمائر أولئك الأشخاص ترتاح للأفعال الخاطئة فينفذونها ببساطة تامة. إنهم يستغلون صدق مشاعر المخدوعين ونواياهم الطيبة ورغبتهم في فعل الخير. يقول الله تعالى: ﴿وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ. فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ﴾ (الأعراف 20 - 22)
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى ( طه 120)
لم يكن آدم عليه السلام مخطئاً، أراد فقط أن يكون أكثر قرباً إلى الله وأن يعيش في الجنة إلى الأبد شأنه شأن الملائكة. فاستغل الشيطان مشاعره الجميلة هذه وأوقعه في الفخ
ونلاحظ هنا أسلوب المبالغة الذي استخدمه الشيطان لتنفيذ مآربه. فالمخادعون يستخدمون أسلوب المبالغة في الكلام وإظهار تواضع كاذب وتحريك مشاعر الرحمة والحنان لدى الطرف الآخر
وهنالك نقطة هامة أخرى وهي أن الأشخاص ذوي القلوب الطاهرة يعتقدون أن الجميع مثلهم وأنهم يخشون الله "ولا يتجرؤون أمامه على العصيان ولا يقسمون باسمه زوراً وبهتاناً." وهذا ما حصل مع آدم وحواء عليهما السلام اللذان ظنَّا أنه ما من أحد يجرؤ على القسم باسم الله تعالى كذباً، ولكن ما جرى بالفعل كان مغايراً لتوقعاتهم. فالجاهلون الذين لا يعرفون الله حق معرفته مهما بلغ مستوى تعليمهم الدنيوي يمكن لهم ارتكاب الآثام والذنوب التي لا تتماشى مع العقل والمنطق ويتجاهلون بذلك أوامر الله تعالى، أو حتى أنهم قد يلفقون الأكاذيب التي لا تمت إلى الحقيقة بصلة. والآية الكريمة التالية توضح هذه الحال في حديث للجن الذين شهدوا الحقيقة وأسلموا عندما استمعوا إلى تلاوة الرسول ﷺ للقرآن الكريم:
وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِبًا (الجن 5)
فأصحاب العقول السليمة يدركون عظمة الله وقدرته ويخشون الوقوع في الخطأ أمامه تعالى. أما الجاهلون والغافلون والسفهاء فهم ـ مع الأسف ـ يختلقون الأكاذيب ويتقولون على الله ليخدعوا الآخرين. وبهذا قد يرتكبون جريمة كبرى... لذا فإن الله تعالى يحذرنا من ذلك بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم باللهِ الْغَرُورُ﴾ (لقمان، .3، قارن: الآية 5 من سورة فاطر، والآية 20 من سورة الحديد)
يدفع الشيطان الإنسان إلى ارتكاب المعاصي ويحرضه على فعلها أملاً بالتوبة فيما بعد، وينطلق في ذلك من أن الله غفور رحيم. فعندما طُرد الشيطان من الجنة تجرأ على الله تعالى قائلا: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ (الأعراف 16 - 17)
والشيطان- كما ذكر في الآية الكريمة- لا يأتي من اليمين فحسب بل يحاول الهجوم من كل الاتجاهات وسلك جميع السبل، ويستعمل أعوانه من الإنس والجن لهذ الغرض. لذا فالشيطان لا يكون من الجن فحسب بل يمكن أن يكون من البشر أيضاً ويمكن أن يأتي من الأمام والخلف ومن اليمين والشمال. يقول الله تعالى
وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ...﴾ (الأنعام 112، مقارنة بالآيات من 4ـ6 سورة الناس)
... وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ﴾ (الأنعام 121)
...إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ (الأعراف 27)
فطوبى لمن فهم هذه الحيلة وأدرك هذه الخدع وهو لا يزال في الحياة الدنيا وتمكن من تخليص نفسه... أما من عجز عن فهمها في هذه الحياة وفهم الحقيقة في الآخرة، فإن فهمه يكون قد أتى متأخراً وبعد فوات الأوان. عندما يدرك الإنسان حقيقة الخداع الذي تعرض له يتملكه شعور بالندم والبؤس، وليكن في المشهد التالي عبرة لنا
(يأمر الله تعالى ملائكته) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ [يقول التابعون لأوليائهم] قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ﴾ [كنتم تبدون حقيقة]... (الصافات 22ـ28)
إذا لم يعرف الإنسان الله تعالى ودينه حق المعرفة، ولم يعِ الهدف الحقيقي لمجيئه إلى هذه الدنيا فمن السهل حينها أن يقع فريسة لخديعة "أساتذة" الكذب والخداع. فهم يظهرون بمظهر الحق ويقتربون من اليمين... ثم يستخدمون كل ما لدى الإنسان لدفعه إلى ارتكاب المعاصي وبلوغ آمالهم البشعة؛ لذا يجب توخي الحذر والوصول إلى المصادر الصحيحة للمعرفة والتزود بالمعلومات الأساسية والضرورية لدرء هذا الخطر