الشوق إلى الإنسان ذي الخصال السامية

إدريس أربات

من المهام الاجتماعية العظيمة الصعبة تحلية الإنسان-بواسطة العلم- بالمشاعر الرقيقة والأفكار السامية، وجعل الأساس نيل رضا الله أثناء السعي وراء الغايات التي لا تنتهي

لكن هل المجتمع يفكر بهذا الأمر؟

لعلَّ أولئك الذين يتولَّون المسؤولية ومراكز القرار في المجتمع وقادة المنظمات الأهلية المخلصين يفكرون بذلك ويخططون له. إن إدراك الفرق بين ما هو كائن وما يجب أن يكون يحتاج إلى مستوى معين من الفكر، فكما أنه "ليس كل جناح قادر على التحليق وعبور البحار" فإنه ليس كل عقل قادر على التمييز بين المهم والأهم

وأكبر هدية وهبها الأنبياء للإنسانية تربيتهم لأُناس يعقلون ومؤهلون تأهيلاً جيداً؛ فالأيام الخيرِّة جاءت مع الأشخاص الخيريين

إن العلم والعرفان والعمل الصالح أساس التنشئة الجيدة للإنسان. ويقال: الإنسان بحاجة إلى "أجنحة من المعرفة للتحليق إلى الجنة". يكمن جوهر القضية في تنشئة أفراد يتمتعون بحس المسؤولية

والواجب هو ما يأمر به الإيمان والضمير والعقل، وتأدية هذا الواجب شرط أساسي لتنفيذ الأوامر الإلهية والشعور براحة الوجدان، ومن لا يؤدي واجبه لن ينجو من عذاب وجدانه

إن القيام بالأعمال الصالحة يعني العيش بمقتضى إيماننا. ويمكن القول إن العمل الصالح هو الأخلاق. وإذا كان "الإيمان وردة عطرة أزهرت في قلوبنا، فإن العمل الصالح/الأخلاق هو رائحتها الزكية التي تشربتها أعضاؤنا

والغاية من بعث الأنبياء هي الدعوة إلى التوحيد وإحلال العدالة والحرية والارتقاء بالإنسان. يقول نبينا عليه السلام: "إنما بُعِثت لأتمم مكارم الأخلاق". لقد علَّمَ الأنبياء الإنسان استخدام عقله وإرادته ومعرفة حدوده أمام الله تعالى وقيمته أمام البشر. وجعل الوحي البشر يتمتعون بعالم مزدوج، ووسَّع آفاقهم

إن غياب حس المسؤولية سيجعل العمل والإيمان عقيمين، فمن تنتهي غايته سينتهي هو أيضاً، وبقاؤنا بلا عمل ومناقشتنا أموراً فارغة سيؤدي إلى هدم المجتمع، ويحوِّلنا إلى عبء ولا شيء سوى ذلك

الإنسان يثبت قيمته بالعمل الدؤوب، وعليه ألا ينتظر أي شيء من الآخرين مادياً كان أم معنوياً. وهذا أمر لا يتحقق إلا بالإيمان، فعند غياب الإيمان ينعدم الوجدان، ومع انعدام الوجدان تغيب التضحية، فيصبح الإنسان مشكلة الإنسان

ما أشدَّ حاجتنا إلى أشخاص منكبِّين على أعمالهم، يعملون بصمت ويشعرون بمتعة معنوية كبيرة في عملهم، أناس يتمتعون بقلوب مفعمة بالحيوية

إن خمول الإنسان غير مقبول، فالأرض والسماء والزهور والحشرات وجميع الكائنات الحية أو غير الحية تعمل بدأب ونشاط

لماذا على الإنسان العمل لنشر الخير في وقت "تخور فيه القوة وتنتهي المتعة"؟ ما الحكمة من ذلك؟

هناك إجابة وحيدة على هذا السؤال ألا وهي: الإيمان وكسب رضا الله تعالى. فالإيمان ورضا الله هما التربة الخصبة لبذل جميع التضحيات ونيل البركة

إذن سيحاول أعداؤنا الأذكياء استهداف عقولنا وقلوبنا، هذا الأمر لا يغيب عن بال القوى الصديقة والتي ستحاول أن تكون "بناءة وإيجابية" ولن تتخلى عن متعة أداء الواجب بدقة وأن تكون في المكان الذي يجب أن تكون فيه

لا محطة أخيرة على طريق السير إلى الله جل جلاله، ومهما بلغتَ من المراتب ستكون أمامك دوماً مراتب أجمل ودرجات أعلى. أداء "واجبنا الحالي" هو مهمتنا الأساسية في هذا المسير. سيستمر السعي من خير إلى خير طالما بقي فينا "قلب ينبض وعين تبصر". وكلما ارتقينا من مرتبة إلى أخرى سنفهم أكثر كلام الله جل جلاله، وسنرى بوضوح الأهم والمهم. سيسير الرواد في المقدمة وسيحاول الآخرون اللحاق بركبهم. وهكذا ستستمر مغامرة تسلق "تلة الإنسانية المؤدية في نهايتها إلى الجنة" والتي غايتها هي رضا الباري

من يخدم الحق والحقيقة، ويحرس العدالة والحرية يشحذ همَّته باستمرار. أما الذي لا يستلهم من الوحي والذي انطفأت همته ستذروه الرياح. ولعل أسوء ما في الأمر هو أن لامبالاة الصالحين تؤسس لحكم الفاسقين. تبلغ نسبة المسلمين في عالم يصممه الفاسقون 10% وحتى هؤلاء يعانون التمزق والتشرذم. لا مناص من نشر النور والخير كي لا يخلو المكان للأشرار. "من يقف يسقط ومن يسقط يُسحق، وفي قانون الذئاب فإن من يسقط يُؤكل، والإنسان الذي لا أسنان له يأكله إخوته

إن الطريق لنشر الجمال ولدعاء الأمهات ولفرح الأطفال على وجه الأرض يمر عبر التحول إلى إنسان يقوم بواجبه، إنسان يحس دائمًا بوجود العرش الأعلى

إن حملنا ثقيل وطريقنا طويل

السلام على من آمن بالله جل جلاله أولاً ثم على من وثق بنفسه