جودُ نبي الرحمة
يقول سيدنا ابن العباس عن جود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل عليه السلام، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلَرسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة»
وعن ابن عباس وعائشة قالا
«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل شهر رمضان، أطلق كل أسير وأعطى كل سائل»
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال
«ما سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط فقال لا»
ومن أخلاق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يردُّ سائلًا، فإن لم يكن عنده شيء استرضاه بوجه طلق وكلمة طيبة
والمثال التالي يعرض لنا جمال جود رسول الله صلى الله عليه وسلم
«بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدًا فيما بين أصحابه، أتاه صبي فقال: يا رسول الله، إن أمي تَستَكْسِيكَ درعًا، ولم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قميصه، فقال للصبي: "من ساعة إلى ساعة يظهر [كذا] فَعُدْ [إلينا] وقتًا آخر"، فعاد إلى أمه، فقالت: قل له: إن أمي تستكسيك القميصَ الذي عليك، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم داره، ونزع قميصه وأعطاه، وقعد عريانًا؛ فأذن بلال للصلاة فانتظروه فلم يخرج، فشغل قلوب الصحابة، فدخل عليه بعضهم فرآه عريانًا»
وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسَه بأنه مسؤول عن الإنفاق، وبيَّن أن الصاحب الحقيقي لكل شيء إنما هو الله سبحانه وتعالى
وقد شهد صفوان بن أمية -وكان من أكابر مشركي قريش- حُنينًا والطائف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن مسلمًا آنذاك. ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجعرانة، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في الغنائم ينظر إليها، ومعه صفوان بن أمية، جعل صفوان ينظر إلى شِعب مُلئ نَعَمًا وشَاءً ورِعَاءً، فأدام إليه النظر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرمقه، فقال: «أبا وهب، يعجبك هذا الشِعب؟» قال: نعم. قال: «هو لك وما فيه». فقال صفوان عند ذلك: ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبي، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله! وأسلم مكانه
ولما رجع إلى قومه قال
«يا قوم أسلموا، فوالله إن محمدًا ليعطي عطاءً ما يخافُ الفقر»
وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال
«ما عندي شيء أعطيك، ولكن استقرض حتى يأتينا شيء فنعطيك»
وكان النبي صلى الله عليه وسلم كجده إبراهيم عليه السلام لا يأكل الطعام وحده. وكان يأمر بإيفاء دين الميت أو كان يوفيه بنفسه، ولم يكن يصلي على الميت إن كان عليه حق لأحد، ويقول في الحديث الشريف
«السخي قريب من الله، قريب من الجنة، قريب من الناس، بعيد من النار، والبخيل بعيد من الله، بعيد من الجنة، بعيد من الناس، قريب من النار»
ويقول عليه الصلاة والسلام في حديث آخر
«خصلتان لا تجتمعان في مؤمن: البخل وسوء الخلق»
ولم يكن صلى الله عليه وسلم يطمئن ويسكن حتى يوزِّع حصته من الغنائم، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال
«إن أناسًا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يسأله أحد منهم إلا أعطاه حتى نفد ما عنده، فقال لهم حين نفد كل ما في يديه: "ما يكن عندي من خير لا أدخره عنكم، وإنه من يَسْتَعِفَّ يُعِفَّهُ الله، ومن يتصبَّر يُصبِّره الله، ومن يستغن يغنه الله، ولن تعطوا عطاء خيرًا وأوسع من الصبر"»