حجة الوداع
لقد اكتمل الدين المبين في حجة الوداع، وتمت مهمة النبي الكريم المبعوث رحمة للعالمين، وكانت الحجة إشارةً إلى قرب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
وفي خطبة ذلك اليوم قال نور الوجود صلى الله عليه وسلم لأصحابه
ألا هل بلغت؟ ثلاثًا
ثم رفع يديه إلى السماء وقال ثلاثًا
«اللهم اشهد»
وبذلك أدَّى الأمانة المقدسة التي حملها على مدى ثلاثة وعشرين عامًا، فظلت رحمةً لأمته حتى قيام الساعة
وهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الذي لم يتقلَّد سيفًا من قبل، ولم يتعلم فنون القتال، ولم يشارك في حروب الجاهلية إلا مرةً واقتصرت مشاركته حينها على المشاهدة، صار - على رحمته الواسعة التي عمت البشر جميعا- مقاتلًا لا يتأخر عن أشد المعارك وطيسًاوذلك في سبيل إعلاء راية التوحيد وإصلاح المجتمعات. واستطاع فتح الجزيرة كلها في تسع سنين بجيش كان غالبًا أقل عددًا وعدة من جيش الأعداء. وحقَّق فتوحات عظيمة بالمعنويات العالية التي زرعها في أولئك الذين كانوا من قبل غير منظَّمين، وبفنون القتال التي علَّمهم إياها. فاستطاع من جاء بعده أن يهزموا إمبراطوريتَي الروم والفرس اللتَين كانتا أعظم إمبراطوريتين آنذاك، فتحقق الوعد وما بشَّر به يوم الخندق
لقد استطاع النبي صلى الله عليه وسلم الذي قاد أعظم ثورة في تاريخ البشرية مع وجود الظروف السلبية أن يُخضِع الظالمين ويواسي المظلومين، وكان الأب الحنون لليتامى والمساكين، فزال الغم والهم والكدر من القلوب، فقد كان صلى الله عليه وسلم منبع الشفاء ومصدر السلوى والعزاء
ولولا ولادة رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الذي جمع الفضائل كلها، لظلَّ البشر يعانون من الظلم والتوحش حتى قيام الساعة، ولصارَ الضعفاء أسرى الأقوياء، ولرجحت كفة الميزان لأهل الشر، ولأمسَت الدنيا في يد الظالمين والمتجبِّرين