زواجه صلى الله عليه وسلم
لما بلغ نور الوجود صلى الله عليه وسلم الخامسةَ والعشرين من عمره، تزوج من السيدة خديجة رضي الله عنها وكانت من خيرِنساء قريش وأشرفهن.. ولما تزوجها رسول الله كانت أرملة لها أولاد وتكبره بخمس عشرة سنة، غير أن ذلك كله لم يكن عائقًا دون أن يعيش النبي صلى الله عليه وسلم معها حياة سعيدة مطمئنة تكون قدوة للبشرية. فكانت هذه السيدة الشريفة سندًا للنبي صلى الله عليه وسلم بمالها وروحها
وقد ساندت رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا رجع من الغار فأخبرها الخبر، وقال لها: لقد خشيت على نفسي
فقالت رضي الله عنها: «كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتكسِب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، وتؤدي الأمانة، وإن خلقك لكريم». فكانت أول من صدَّقه وأعانه وآمن به
ولم ينسَ النبي صلى الله عليه وسلم مساندتهاورقَّتها وعطفها ورفقها البتة، بل بقي يذكرها دائمًا؛ إذ لمَّا كان يذبح صلى الله عليه وسلم شاةً، يرسل جزءًا منها إلى أقارب السيدة خديجة
وقد دام زواج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بسيدتنا خديجة رضي الله عنها أربعة وعشرين عامًا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم آنذاك في قمة الشباب والنشاط. أما زيجاته بعد وفاة السيدة خديجة فقد كان لأهداف دينية أو غايات سياسية، إذ كانت أكثر زوجاته عجائز وأرامل. ولم يتزوج نبينا صلى الله عليه وسلم بِكرًا إلا سيدتنا عائشة رضي الله عنها، لتكون المسائل الفقهية الخاصة بالنساء واضحة ثابتة
فقد أدركت السيدة عائشة رضي الله عنها بذكائها وفراستها المسائلَ الشرعية الخاصة بالنساء إدراكًا كاملًا، وعاشت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حياة مديدة ترشد نساء المسلمين بما تعلمته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت من أصح مصادر الأحكام الفقهية المتعلقة بالنساء. وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الحقيقة في قوله
«خذوا ثلث دينكم من بيت عائشة»
وحكمة أخرى من حِكَم زواج النبي صلى الله عليه وسلم بالسيدة عائشة رضي الله عنها إنما هي رغبةُ سيدنا أبي بكر رضي الله عنه في توثيق صلته بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي بدأ في غار ثور عندما كان {ثَانِيَ اثْنَيْنِ} وذلك برباط المصاهرة
ولا يمكن أن يَعرِفَ قيمةَ زواج النبي بزوجاته وما فيه من مقاصد سامية وحِكم دقيقة إلا أهل الإيمان والعرفان
ولو كان زواج النبي لشهوةٍ فحسب كما يدَّعي أصحاب النفوس المريضة والغايات الخبيثة، لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بزوجته الأولى التي كانت أرملة ذات أولاد، ولما عاش معها خمسة عشر عامًا من أعوام شبابه
لكنَّ ذوي التفكير السطحي -الذين دأبوا على النظر إلى الزواج من منظور الشهوة لا غير- عاجزون أشدَّ العجز عن إدراك مثل هذي الحقائق، وما الأحكام الباطلة التي يطلقها أصحاب الأغراض الدنيئة والأهواء النفسية إلا انعكاس لعالَمهم الحالك الظلام