غار حراء وبدء الوحي
كان يتصف النبي صلى الله عليه وسلم في شبابه بالصدق والأمانة والنزاهة، وكان زواجه بالسيدة خديجة زواجًا ميمونًا، وقبل أن يبلغ الأربعين من عمره، قدَّر الله تعالى أن يكون غار حراء في مكة مدرسةً يتعبد الله تعالى فيها ويملأ قلبه من الفيوضات والعلوم الربانية
ففي تلك المدرسة المليئة بالفيوضات والروحانيات تعلَّم العلوم الفانية والباقية. ولمَّا بلغ الأربعين من عمره المبارك جاءه الأمر الإلهي أن: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} ، فكان ذلك شهادةً له بالنبوة وأهليته للإرشاد وتبليغ الدين
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول الوحي قد بدأ يرى «الرؤى الصادقة». فيأتي إلى غار حراء يتعبد فيه الليالي الكثيرة
إنَّ عقولنا تعجز عن فهم سِرِّ غار حراء وما وراءه من الحكم والأسرار، فذلك المكان المبارك سيظل مجهولًا للناس إلى أبد الآباد من حيث إنه مكانٌ للإعداد والتحضير. فما دفع النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك المكان - في الظاهر- إنما هو الظلمُ والجور والرذيلة التي انتشرت بين الناس، ورحمتُه التي عمَّت العالَم كله. أما في الحقيقة فقد كان غار حراء مرحلة إعداد لانتقال القرآن -نور الهداية- إلى إدراك البشر بواسطة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم
وإن وقفنا عند هذه المرحلة وحاولنا التنقيب عن تفاصيلها، فلن نستطيع أن نجد جوابًا، لأن هذا الأمر يفوق إدراك العقول، وبقاؤه سرًّا بين رب العباد وحبيبه أوجبَ تجليه في غارٍ بعيد عن أبصار الناس وأسماعهم
إن الإنسان العادي لا يستطيع تحمل الحِمل الثقيل الذي تفرضه مخاطبةُ الوحي، لذلك كانت مرحلة غار حراء مرحلةً ظهرت فيها تلك الطاقة والقدرة الخفية التي منحها اللهُ تعالى الإنسانَ، فكانت كمرحلة تحول الحديد الخام إلى فولاذ صلب بالخصائص الكامنة فيه... لذلك يقف الإدراك عاجزًا عجزًا مطلقًا أمام بلوغ أسرار هذه المرحلة وكشف خفاياها
وكلُّ من لم ينظر إلى هذا السر بعيون فؤاده وبصيرته، ويؤمن بالوحي الذي نزل في هذا المكان المبارك فسيلحق بقافلة الأشقياء التعساء التي يقودها الجهَّال أمثال أبي جهل وأبي لهب